مابين النّزعة الشعوبية والانضباط الوظيفي

جمعة, 08/15/2025 - 21:56

Mتشهد الساحة السياسية اليوم حالات متباينة في التعامل مع روح الدولة والالتزام بتوجيهات القيادة العليا، فتبرز شخصيات تضع المصلحة الوطنية فوق اعتبارات الأنا، وتشكل نموذجاً يُحتذى به في النضج والانضباط السياسي. من بين هذه الشخصيات يبرز اسم الأمين العام لرئاسة الجمهورية، مولاي محمد الأغظف، الذي جسّد بفعل ملموس مرة أخرى مفهوم المسؤولية والأخلاق في العمل السياسي.

أثار موقف مولاي محمد الأغظف من منع أنصاره وقواعده الشعبية العريضة في الحوض الشرقي من تنظيم استقبالات أو احتفالات رسمية أثناء عطلته الداخلية، احترام المراقبين وارتياح الرأي العام، خاصة في ظل ظاهرة متكررة لعدد من المسؤولين الذين حولوا زياراتهم إلى مهرجانات تمجيدية وبروباغندا شخصية تتنافى مع روح التوجيهات الرئاسية الحازمة.

الترفع عن المزايدة ورفض الشخصنة

يمثل قرار مولاي محمد الأغظف تأكيداً لنضج سياسي حقيقي، إذ أصر أن الاستقبالات الحاشدة والاحتفالات المهيبة بروتوكول خاص برئيس الجمهورية فقط، باعتباره رمز سيادة الدولة ووحدتها. هذا الإدراك الدقيق لدور وصلاحيات كل طرف داخل المؤسسة التنفيذية يُمكّن من منع تداخل الصلاحيات والتنافس غير الصحي، ويحمي صورة المؤسسة من التمييع والشخصنة.
استوعب مولاي محمد الأغظف بحكمة أن قوة المسؤول ليست بتجييش الجماهير أو استغلال العواطف المؤقتة، بل باحترام حدود المسؤولية والتواضع أمام رسالة الدولة. قالها بوضوح: “نحن جزء من الشعب وخدمه، ولا نستحق الاستقبالات الرسمية كما هو حال الرئيس”. هذا الخطاب يختصر دروس العمل العام: القيادة ليست وجاهة، بل عبء تكليف وخدمة خالصة.

تكريس سلطة الرئيس وتعزيز الانضباط

في عالم السياسة الافريقية، حيث يندر الفصل بين موظَفي الدولة والزعامة الشعبية، جاء موقف مولاي محمد الأغظف استثناءً إيجابياً. فهو، على الرغم من مكانته الرفيعة وشعبيته، اختار دعم صورة الرئيس، ولم يسمح بأن تتحول المناسبة الخاصة إلى منصة لمكاسب شخصية أو تنافسات جانبية.
هذا الالتزام الصارم بالتعليمات الرئاسية يعكس وعياً عميقاً بماهية الدولة الحديثة، حيث يُفتَرض أن يكون الموظف العمومي في خدمة النظام لا في منافسة رموزه. وهنا، يقدم مولاي محمد الأغظف درساً أخلاقياً وسياسياً لعدد من المسؤولين الذين انحرفوا عن التوجه الرسمي وحاولوا استثمار مناصبهم لتحقيق مكاسب شعبوية عابرة.

سؤال المستقبل الفارق الجوهري الذي يميز السلوك المؤسساتي المسؤول من الشعبوية، يكمن في احترام المرجعية الرئاسية والارتقاء عن سلوكيات التنافس والمبالغة في استعراض الذات. وإذا كانت المرحلة الحالية تتطلب الاستجابة للتحديات بمسؤولية عالية، فإن ما فعله مولاي محمد الأغظف يبعث أملاً بأن الإدارة الوطنية قادرة على إنتاج قادة يتصرفون كسدنة للمؤسسات لا كمُنافِسين عليها.
 النضج السياسي الحقيقي ليس بالاستقواء بالمناصرين أو استثمار المناسبات الرسمية لشخصنة الإدارة والموقع، بل في تفعيل ثقافة الالتزام والانصهار في روح الدولة الجامعة. وموقف مولاي محمد الأغظف شاهد على أن العمل السياسي الرصين يبدأ من احترام بروتوكول الرئيس، وترجيح منطق المصلحة الوطنية على سائر الاعتبارات.

سلطان البان 
 

إعلانات

 

إعلان